سورة السجدة - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


{قُلْ يَتَوَفَّاكُمْ} يقبض أرواحكم، {مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ} أي: وكل بقبض أرواحكم وهو عزرائيل، والتوفي استيفاء العدد، معناه أنه يقبض أرواحهم حتى لا يبقى أحد من العدد الذي كتب عليه الموت. وروي أن ملك الموت جعلت له الدنيا مثل راحة اليد يأخذ منها صاحبها ما أحب من غير مشقة، فهو يقبض أنفس الخلق في مشارق الأرض ومغاربها، وله أعوان من ملائكة الرحمة وملائكة العذاب. وقال ابن عباس: إن خطوة ملك الموت ما بين المشرق والمغرب. وقال مجاهد: جعلت له الأرض مثل طست يتناول منها حيث يشاء. وفي بعض الأخبار: أن ملك الموت على معراج بين السماء والأرض فينزع أعوانه روح الإنسان فإذا بلغ ثغره نحره قبضه ملك الموت.
وروى خالد بن معدان عن معاذ بن جبل قال: إن لملك الموت حربة تبلغ ما بين المشرق والمغرب، وهو يتصفح وجوه الناس، فما من أهل بيت إلا وملك الموت يتصفحهم في كل يوم مرتين، فإذا رأى إنسانا قد انقضى أجله ضرب رأسه بتلك الحربة، وقال: الآن يزار بك عسكر الأموات. قوله: {ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ} أي: تصيرون إليه أحياء فيجزيكم بأعمالكم. {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ} المشركون، {نَاكِسُو رُءُوسِهِمْ} مطأطؤ رءوسهم، {عِنْدَ رَبِّهِمْ} حياء وندما، {رَبَّنَا} أي: يقولون ربنا، {أَبْصَرْنَا} ما كنا به مكذبين، {وَسَمِعْنَا} منك تصديق ما أتتنا به رسلك. وقيل: أبصرنا معاصينا وسمعنا ما قيل فينا، {فَارْجِعْنَا} فأرددنا إلى الدنيا، {نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ} وجواب لو مضمر مجازه لرأيت العجب.


{وَلَوْ شِئْنَا لآتَيْنَا كُلَّ نَفْسٍ هُدَاهَا} رشدها وتوفيقها للإيمان، {وَلَكِنْ حَقَّ} وجب، {الْقَوْلُ مِنِّي لأمْلأنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ} وهو قوله لإبليس: {لأملأن جهنم منك ومن تبعك منهم أجمعين} [ص- 85]. ثم يقال لأهل النار- وقال مقاتل: إذا دخلوا النار قالت لهم الخزنة-: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا} أي: تركتم الإيمان به في الدنيا، {إِنَّا نَسِينَاكُمْ} تركناكم، {وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} من الكفر والتكذيب. قوله عز وجل: {إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا} وعظوا بها، {خَرُّوا سُجَّدًا} سقطوا على وجوههم ساجدين، {وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ} قيل: صلوا بأمر ربهم. وقيل: قالوا سبحان الله وبحمده، {وَهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ} عن الإيمان والسجود له. {تَتَجَافَى} ترتفع وتنبو، {جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ} جمع مضجع، وهو الموضع الذي يضطجع عليه، يعني الفرش، وهم المتهجدون بالليل، اللذين يقومون للصلاة.
واختلفوا في المراد بهذه الآية؛ قال أنس: نزلت فينا معشر الأنصار، كنا نصلي المغرب فلا نرجع إلى رحالنا حتى نصلي العشاء مع النبي صلى الله عليه وسلم.
وعن أنس أيضا قال: نزلت في أناس من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كانوا يصلون من صلاة المغرب إلى صلاة العشاء وهو قول أبي حازم ومحمد بن المنكدر، وقالا هي صلاة الأوابين.
وروى عن ابن عباس رضي الله عنه قال: إن الملائكة لتحف بالذين يصلون بين المغرب والعشاء، وهي صلاة الأوابين.
وقال عطاء: هم الذين لا ينامون حتى يصلوا العشاء الآخرة.
وعن أبي الدرداء، وأبي ذر، وعبادة بن الصامت رضي الله عنهم: هم الذين يصلون العشاء الآخرة والفجر في جماعة.
وروينا أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من صلى العشاء في جماعة كان كقيام نصف ليلة، ومن صلى الفجر في جماعة كان كقيام ليلة».
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن سمي مولى أبي بكر بن عبد الرحمن، عن ابن صالح السمان، عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لو يعلم الناس ما في النداء والصف الأول ثم لم يجدوا إلا أن يستهمُوا عليه لاستهموا، ولو يعلمون ما في التهجير لاستبقوا إليه، ولو يعلمون ما في العتمة والصبح لأتوهما ولو حبوا».
وأشهر الأقاويل أن المراد منه: صلاة الليل، وهو قول الحسن، ومجاهد، ومالك، والأوزاعي وجماعة.
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الله بن بشران، أخبرنا أبو علي إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرازق، أخبرنا معمر عن عاصم بن أبي النجود، عن أبي وائل عن معاذ بن جبل قال: كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفرنا فأصبحت يومًا قريبًا منه وهو يسير فقلت: يا رسول الله أخبرني بعمل يُدخلني الجنة ويُباعدني من النار، قال: «قد سألت عن أمر عظيم، وإنه ليسير على من يسَّره الله عليه، تعبدُ الله ولا تشرك به شيئًا وتقيمُ الصلاةَ، وتُؤتي الزكاةَ، وتصومُ رمضانَ، وتحجُ البيتَ»، ثم قال: «ألا أدلّك على أبواب الخير: الصوم جنة، والصدقة تطفىء الخطيئة، وصلاة الرجل في جوف الليل»، ثم قرأ: {تتجافى جنوبهم عن المضاجع} حتى بلغ {جزاء بما كانوا يعلمون}، ثم قال ألا أخبرك برأس الأمر وعموده وذروة سنامه؟ قلت: بلى يا رسول الله، قال: «رأس الأمر الإسلام، وعموده الصلاة، وذروة سنامه الجهاد. ثم قال: ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قلت: بلى يا نبي الله، قال: فأخذ بلسانه فقال: اكفف عليك هذا، فقلت: يا نبي الله وإنا لمؤاخذون بما تتكلم به؟ قال: ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكبُّ الناسَ في النار على وجوههم، أو قال على مناخرهم، إلا حصائد ألسنتهم».
حدثنا أبو الفضل زياد بن محمد الحنفي، أخبرنا أبو محمد عبد الرحمن بن أحمد المخلدي، أخبرنا محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حمد بن زنجويه، أخبرنا أبو عبد الله بن صالح، حدثني معاوية بن صالح، حدثني ربيعة بن يزيد، عن أبي إدريس الخولاني، عن أبي أمامة الباهلي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «عليكم بقيام الليل فإنه دأب الصالحين قبلكم، وقربة لكم إلى ربكم، ومكفرة للسيئات، ومنهاة عن الإثم».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أبو منصور محمد بن محمد بن سمعان، حدثنا أبو جعفر محمد بن أحمد بن عبد الجبار الرياني، أخبرنا حميد بن زنجويه، أخبرنا روح بن أسلم، أخبرنا حماد بن سلمة، أخبرنا عطاء بن السائب، عن مرة الهمداني، عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عجب ربُّنا من رجلين: رجل ثار عن وطائه ولحافه من بين حبه وأهله إلى صلاته»، فيقول الله لملائكته: انظروا إلى عبدي ثار عن فراشه ووطائه من بين حبه وأهله إلى صلاته رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي، ورجل غزا في سبيل الله فانهزم معه أصحابه، فعلم ما عليه في الانهزام وما له في الرجوع، فرجع فقاتل حتى أهريق دمه، فيقول الله لملائكته: «انظروا إلى عبدي رجع رغبة فيما عندي وشفقا مما عندي حتى أهريق دمه».
أخبرنا أبو عثمان الضبي، أخبرنا أبو محمد الجراحي، أخبرنا أبو العباس المحبوبي، أخبرنا أبو عيسى الترمذي، أخبرنا قتيبة بن سعيد، أخبرنا أبو عوانة، عن أبي بشر، عن حميد بن عبد الرحمن الحميري، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم، وأفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل».
أخبرنا أحمد بن عبد الله الصالحي، أخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا إسماعيل بن محمد الصفار، أخبرنا أحمد بن منصور الرمادي، أخبرنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن يحيى بن أبي كثير، عن ابن معانق، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن في الجنة غرفا يرى ظاهرُها من باطنها، وباطُنها من ظاهرها، أعدها الله لمن ألان الكلام، وأطعم الطعام، وتابع الصيام، وصلى بالليل والناس نيام».
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا إصبغ، أخبرني عبد الله بن وهب، أخبرني يونس عن ابن شهاب، أخبرنا الهيثم بن أبي سنان، أخبرني أنه سمع أبا هريرة في قصصه يذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كان يقول: «إن أخًا لكم لا يقول الرفث» يعني بذلك عبد الله بن رواحة، قال:
وفينا رسولُ الله يتلو كتابَه *** إذا انشقَّ معروفٌ من الفجرِ ساطعُ
أرانا الهُدَى بعدَ العمى فقلوبُنا *** به موقناتٌ أنَّ ما قال واقعُ
يَبيتُ يجافي جنبَهُ عن فراشِهِ *** إذا استثقلتْ بالكافرين المضاجعُ
قوله عز وجل: {يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا} قال ابن عباس: خوفًا من النار وطمعًا في الجنة، {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ} قيل: أراد به الصدقة المفروضة. وقيل: عامّ في الواجب والتطوع.


{فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ} قرأ حمزة ويعقوب: {أخفيْ لهم} ساكنة الياء، أي: أنا أخفي لهم ومن حجته قراءة ابن مسعود {نخفي} بالنون. وقرأ الآخرون بفتحها. {مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} مما تقر به أعينهم، {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
أخبرنا عبد الواحد المليحي، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي، أخبرنا محمد بن يوسف، أخبرنا محمد بن إسماعيل، أخبرنا إسحاق بن نصر، أخبرنا أبو أسامة عن الأعمش، أخبرنا أبو صالح عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «يقول الله تبارك وتعالى أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرًا بَلْهَ ما اطلعتم عليه»، ثم قرأ: {فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}.
قال ابن عباس رضي الله عنهما: هذا مما لا تفسير له. وعن بعضهم قال: أخفوا أعمالهم فأخفى الله ثوابهم.

1 | 2 | 3 | 4